الأحد 2025-10-19 03:34 م
 

بيئة العمل العادلة: الأساس الاستراتيجي لمستقبل مستدام

gyui
أدجاراتو ندياي - مدير عام شركة فيليب موريس الأردن
 
01:17 م
الوكيل الإخباري-   بقلم: أدجاراتو ندياي - مدير عام شركة فيليب موريس الأردناضافة اعلان


تتطور بيئات العمل حول العالم بوتيرة غير مسبوقة، مدفوعة بتغيرات في توقعات الموظفين، وتحديات السوق، وتسارع الابتكار حتى باتت المفاهيم حولها مختلفة كثيراً عن السابق. لم تعد البيئة المثالية تقتصر على المكاتب الأنيقة والتكنولوجيا المتقدمة، بل باتت تقوم على ثقافة مؤسسة شاملة وطموحة، وترتكز على قيم إنسانية عميقة، إلى جانب القيم المهنية الإيجابية.

في منطقة بلاد الشام والمشرق العربي، تواجه القوى العاملة تحديات حقيقية تتعلق بالانخراط الفعال في بيئات العمل والسوق وبالمشاركة الاقتصادية، وأبرزها: تكافؤ الفرص، والعدالة في الأجور. في الأردن، تشير بيانات البنك الدولي لعام 2024 إلى أن نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة لا تتجاوز 14%، مقارنة مع 61.2% للرجال. أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموماً، فلا تتعدى هذه النسبة 19%، مما يسلّط الضوء على فجوة هيكلية مزمنة. وعلى صعيد الأجور، تظهر تقارير منظمة العمل الدولية لعام 2022 أن الفجوة في الأجور بين الجنسين في القطاع الخاص الأردني تبلغ نحو 7.7% لصالح الذكور، وترتفع إلى 12.9% في القطاع العام. عالمياً، ليس الوضع بالأفضل بكثير، حيث إن الفجوة تصل إلى نحو 23%، مما يعكس تحدياً واسع النطاق، وهو ما يتطلب تدخلاً منهجياً وجريئاً لتحقيق العدالة في بيئات العمل.

في هذا الإطار، تبرز المساواة في الأجور كعنصر أساسي لبناء ثقافة عمل مؤسسية ناضجة، تبني سياساتها خاصة المتعلقة بإدارة ورعاية الموارد البشرية بالاعتماد على مخرجات الأداء والمهارة لا على أية معايير أخرى، لتقدم الفرص المتكافئة دون تحيز أو تمييز، سواء من حيث توزيع المهام، أوإقرار الأجور والمزايا، أومنح التقدير والترقيات، أورسم مسارات التطور، لضمان إتاحة بيئة صحية تسمح بالتعبير والمبادرة والنمو.

إن هذه المنهجية ليست مجرد إجراءات تصحيحية وقتية، بل ممارسة يومية بعيدة كل البعد عن الشعارات الفارغة، لما لها من انعكاسات على تعزيز الولاء والارتقاء بسوية الأداء والإنتاجية. إنها مؤشر النجاح الحقيقي الذي لا يقاس اليوم بعدد منتجات المؤسسات أو أسواقها أو مردودها المالي أو قدرتها على الابتكار، بل بالسياسات التي تتبناها لإدارة ورعاية مواردها البشرية في بيئة يشعر فيها كل موظف بأن جهده مقدر، وأن الفرص توزع بناء على الكفاءة والجدارة بطريقة عادلة تترجم إلى استقرار تنظيمي يسهم في تقليل معدلات التسرب الوظيفي، وزيادة الرضاء الوظيفي.

ولعل البرهان على صحة القول، حصول شركة فيليب موريس إنترناشيونال مؤخراً على شهادة المساواة في الأجور للمرة الثالثة من مؤسسة Equal-Salary السويسرية المستقلة المرموقة. يأتي هذا تتويجاً لجهود دؤوبة ونهج مؤسسي متكامل يطبق بدقة وشفافية، وتجسيداً لإيمان كبير بأن التمكين يبدأ من الداخل، مع تحويل المساواة إلى فعل ملموس ومستدام ضمن بيئة منصفة، تقوم على مبدأ "الأجر المتساوي للعمل المتساوي" في كافة مواقع الشركة بما يشمل أكثر من 83 ألف موظف وموظفة.

هذه الشهادة التي منحت للشركة إثر عمليات فحص دقيقة شملت تحليلات إحصائية لهيكل الأجور، واستطلاعات رأي موسعة استهدفت الموظفين، ومقابلات مع إدارة الموارد البشرية، وغيرها، إنما هي تأكيد على أن الإنصاف متأصل داخليا؛ ذلك أن الشركة حافظت منذ حصولها على الشهادة للمرة الأولى وكأول شركة متعددة الجنسيات تنالها عام 2019، على نهج الإنصاف كممارسة شفافة وموضوعية مستمرة في تقييم الأجور والترقيات وتحديثها.

وعلى المستوى المحلي، فإن شركة فيليب موريس الأردن التي تعتبر جزءاً من الشركة الأم العالمية، والتي تسير تبعاً لخطاها في ما يتعلق بإدارة الوارد البشرية، قد تمكنت من قيادة التغيير في هذا المجال. لقد خلقنا بيئة تعد اليوم من بين الأفضل في المنطقة، لما تتسم به من كونها بيئة إثرائية ومحفزة ومتسمة بالانفتاح الفكري والشمول والمساواة والدمج، فضلاً عن كونها تستجيب لاحتياجات القوى العاملة على تنوعها، وتضمن التمثيل العادل بمختلف الخلفيات مع دعم ملموس للتنوع النوعي والعرقي.

في هذا السياق، أحرزت الشركة توازناً استثنائياً بين الجنسين ضمن القوى العاملة في أفرعها في منطقة مصر والمشرق العربي في أسواق الأردن ومصر ولبنان؛ حيث تمثل النساء في فرع مصر أكثر من ثلث فريق العمل، ويشغلن 40 منصباً قيادياً. وفي لبنان، تمثل المرأة نحو 45% من عدد العاملين بالشركة، كما أنها تشغل 39% من المناصب القيادية الهامة. وفي الأردن، تقود المرأة شركة فيليب موريس وتشغل منصب المدير العام، وتشغل الإناث 30% من الوظائف القيادية هناك.

هذا وتقف جائزة أفضل صاحب عمل التي تمنح من المعهد العالمي(Top Employers Institute)  للمؤسسات التي تقدم نموذجاً متميزاً في ممارسات الموارد البشرية وتوفر بيئة عمل أفضل لموظفيها، كشاهد حي على ذلك. فقد تمكنت الشركة من تحقيق إنجاز هام بحصد هذه الجائزة على مدار تسع أعوام متتالية، ما يعكس نجاحها في بناء ثقافة قائمة على الثقة، والتمكين، وتكافؤ الفرص، مع سياسات عملية وذات تأثير مباشر على الأداء الفردي والمؤسسي، متمكنة من خفض معدلات دوران الموظفين، وتعزيز ولائهم، وزيادة قدرة الفرق على التكيف والمبادرة والابتكار واتخاذ القرار.

يقابل كل ذلك، التزام راسخ من الإدارة بتقدير مساهمات الموظفين من خلال تخطيط وتنفيذ برامج مخصصة لجذب واستقطاب وتطوير المواهب والمحافظة على الكفاءات النسائية بالتماشي مع الاستراتيجية العالمية لشركة فيليب موريس إنترناشيونال، وعبر أنظمة تقييم موضوعية، وسلالم أجور شفافة، وسياسات عمل مرنة، ومظلة مزايا متكاملة تشمل الإجازات المرنة المدفوعة، وبرامج دعم الصحة النفسية والجسدية، وبرامج مخصصة للأبوة والأمومة، وغيرها الكثير.

في بيئة عمل فيليب موريس إنترناشيونال بمختلف شركاتها التابعة، لا تأتي العدالة في الأجور بمعزل عن رؤيتها الاستراتيجية، بل تتكامل مع أهدافها الأوسع في التحول والانتقال نحو مستقبل خالٍ من الدخان، وقائم على العلم والابتكار بمشاركة من الموظفين الذي تنظر إليهم الشركة كجزء فعال في صنع التغيير. إن التجربة المتراكمة التي قامت الشركة ببنائها عالمياً، وتم تطبيقها في أسواق المشرق العربي ومنها الأردن، تثبت أن العدالة ليست مسألة أخلاقية فقط، بل خيار استراتيجي تضعه المؤسسات ذات الفكر الإداري المعاصر في صلب نموذجها التشغيلي.

ويمكنني القول بحكم خبرتي الممتدة لما يزيد على 15 عاماً في القيادة الفعالة وإستراتيجيات التحول وتطوير فرق العمل، أن الشركات تستطيع المساهمة في معالج الفجوات المزمنة وتقديم نموذج مؤثر في التنمية الشاملة إذا ما بادرت لصياغة وإرساء سياسات داخلية تحترم الإنسان وتستثمر في العنصر البشري من أجل مستقبل أفضل. نحن نرى هذا المستقبل الأفضل  في فيليب موريس لا يبدأ إلا من ثقافة العدالة والمساواة والشفافية لتحفيز موظفينا على العطاء كشركاء لا كأدوات تنفيذ.

 
 
gnews

أحدث الأخبار



 
 





الأكثر مشاهدة