بقلم: المهندسة نور أحمد اللوزي
في مشهدٍ وطنيٍّ متجدد يعبّر عن عمق العلاقة بين القيادة والشعب، جاءت زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى محافظة الكرك لتؤكد مرةً أخرى أن النهج الهاشمي في الحكم لا يقوم على الخطابات بقدر ما يرتكز على الفعل الميداني، والإنصات الحقيقي لهموم الناس وتطلعاتهم. فالصورة التي جمعت جلالته بأبناء المحافظة، وهو يمسك بدفتره وقلمه لتدوين ملاحظاتهم بيده، تختصر فلسفة قيادةٍ تؤمن أن التنمية تبدأ بالإنسان وتنتهي عنده، وأن الإصلاح لا يترسخ إلا من الميدان لا من المكاتب.
لقد أعادت هذه الزيارة الملكية إلى الأذهان جوهر المشروع الإصلاحي الأردني القائم على التواصل، والمبادرة، والعمل الميداني الملموس. فحين يؤكد جلالته أن “التخطيط الجيد مطلوب، لكن الأهم هو التنفيذ على الأرض”، فإنه يضع بوضوح معيار القيادة الفاعلة، ويشير إلى جوهر الخلل الذي طالما أعاق مسيرة التنمية في بعض القطاعات: غياب التنفيذ الفعّال رغم وفرة الخطط. من هنا، تأتي توجيهات جلالته للحكومة بضرورة استكمال المشاريع التنموية في الكرك وتطوير مشاريع جديدة، أبرزها مشروع تلفريك الكرك، كمؤشرٍ عملي على التحول نحو التنمية المنتجة، وخلق فرص العمل، وتحفيز الاقتصاد المحلي.
إن المتتبع لمسار اللقاء الملكي مع وجهاء وممثلي الكرك يلحظ كيف يتحوّل الحوار إلى خريطة طريق وطنية متكاملة، توازن بين التخطيط المركزي والمشاركة المحلية. فالكرك، بتاريخها العريق ورمزية أبنائها، ليست مجرد محافظة على خارطة الوطن، بل ركن أساسي في بناء الهوية الوطنية الجامعة. ومن هنا، فإن استماع جلالته لملاحظات أبنائها يشكل امتداداً طبيعياً لنهجٍ ملكيٍّ يرى في المواطن شريكاً في القرار لا مجرد متلقٍّ له.
لقد أجمع المتحدثون خلال اللقاء على تقديرهم لهذا النهج القائم على القرب الإنساني والميداني من الناس، مثمّنين المشاريع التي أُطلقت وتلك التي وجّه جلالته إلى تنفيذها في قطاعات السياحة، والزراعة، والتعليم، والصناعة، وتمكين المرأة والشباب. كما أشاروا إلى أن أثر المبادرات الملكية بات ملموساً في البنية التحتية والخدمات والمشاريع الإنتاجية، ما أعاد الحياة إلى العديد من المواقع التنموية في المحافظة.
ولا شك أن هذا النهج الملكي الميداني يفرض على الجميع — مؤسسات الدولة، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص — أن يعيدوا النظر في أساليب العمل والتنفيذ. فالقائد الذي يتواجد بين أبناء شعبه ويستمع إليهم وجهاً لوجه، يقدم درساً بليغاً في الإدارة الحديثة والقيادة المتجددة. إن التنمية الحقيقية لا تُدار عن بُعد، بل تُصنع في الميدان، وسط الناس، حيث تتلاقى الإرادة الرسمية مع الطموح الشعبي في رؤيةٍ واحدة نحو المستقبل.
إن ما نشهده اليوم من جولات ملكية متواصلة ليس مجرد زيارات رمزية، بل خطوات مدروسة في مسارٍ وطنيٍّ شامل، يعيد الاعتبار لفكرة الدولة القريبة من المواطن، ولنهج الشراكة في التنمية وصنع القرار. ومن هنا، فإن الواجب الوطني يقتضي أن يسير الجميع على خطى جلالته، بتعزيز الحضور الميداني، والاستماع للمواطنين، وإطلاق مبادرات تنموية تعكس روح المشاركة، وتضمن توزيع مكتسبات التنمية بعدالة بين المحافظات.
ختاماً، يمكن القول إن زيارة جلالة الملك إلى الكرك لم تكن محطة بروتوكولية، بل رسالة قيادية واضحة بأن الأردن لا يُبنى بالكلمات، بل بالفعل، وبالاقتراب من الناس، وبالعمل الميداني الذي يصنع الأثر الحقيقي في حياة المواطنين. وهي رسالة لكل من يعمل في الشأن العام بأن النجاح في خدمة الوطن لا يتحقق إلا حين نتبنى نهج الملك في الالتزام، والانضباط، والإنجاز.
-
أخبار متعلقة
-
فصل الكهرباء من الـ9 صباحا والى 4 عصرا عن مناطق في المملكة -أسماء
-
بشرى للأردنيين.. انفراجة قريبة في ملف استيراد زيت الزيتون
-
الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية يبحث تعزيز التعاون مع المستشار الثقافي الليبي بعمّان
-
أنشطة تنموية وشبابية في عدد من المحافظات
-
محافظات تحتفل باليوم الوطني لقطاف الزيتون لعام 2025
-
أنشطة وفعاليات متنوعة في عدد من الجامعات
-
القضاة: 16 مشروعا استثمارياً استفاد من الحوافز الصناعية في مدينة الحسين التنموية بالكرك
-
السيد والوكيل .. من أثير ميلودي الأردن إلى "شاشة الوطن"
